يعترف ستيفن جرين، الكاتب الأمريكي الكبير، بأنه كان يعاني من مخاوف كثيرة في طفولته جعلته كثير التردد، وغير قادر على اتخاذ أي قرار، كما أنه كان شديد الجبن. ويقول علماء النفس إن الجبناء أوسع خيالا من غيرهم من البشر، وغالبا ما يحتفظ هؤلاء بالرؤى التي كانت تثير الرعب في نفوسهم في مرحلة الطفولة عندما يكبرون، وإذا استغلوها في أعمال أدبية أو فنية، فإنهم يحققون نجاحا باهرا، ويقول ستيفن جرين إن الخيالات التي كانت ترعبه في طفولته هي المادة الخام لكل رواياته التي حققت أرقاما قياسية في المبيع، وتحول معظمها إلى أفلام سينمائية. وفي قصته (كاري) تكتشف البطلة أنها تمتلك قوى نفسية هائلة تستطيع من خلالها تدمير كل منافساتها اللواتي يداعبنها مداعبة قاسية، وعلى مدار القصة يمتزج الرعب بالسيكولوجي بظواهر ما فوق الطبيعة ليشد اهتمام القارئ حتى الصفحة الأخيرة من الرواية.
وكل الكتاب العباقرة، بل كل المشاهير والنوابغ عبر التاريخ كانوا يعانون من أمراض عصابية بشكل أو بآخر، فقد كان هتلر الذي أغرق أوروبا ببحار من الدماء يعاني من عقدة اضطهاد والده له، وقسوته عليه أثناء الطفولة، ويروى أن والده أعطاه ذات يوم بندقية صيد وطلب منه اصطياد طائر كان يحلق فوق رأس الأب وابنه، فصوب هتلر البندقية نحو الطائر وأطلق النار فأصابه، فقال له والده ساخرا: «حدث ذلك صدفة» ويقال إن هتلر ظل يتذكر هذا الحادث طوال حياته، وكانت دموعه تسيل بغزارة على خديه عندما يتذكره.
وماركو بولو، الرحالة الإيطالي الشهير، دخل التاريخ من أوسع أبوابه لأن فتاة كان يحبها أهانته، فأقسم على مغادرة بلاده، وألا يعود إليها إلا إذا حقق شيئا كبيرا يجعل كل فتيات إيطاليا يتعلقن بحذائه، ويرفضهن جميعا، وحقق ماركو بولو أشياء كبيرة كثيرة، وصحح معلوماتنا عن الأرض التي نعيش فوقها، وعن سكانها، وعاداتهم وأنماط حياتهم، وعاد إلى إيطاليا بطلا، ولم تتعلق به الفتيات كما كان يتوقع، ولكنه لم يأبه لذلك.
وخيال ابن بطوطه كان أوسع بكثير من خيال الكاتب الأمريكي ستيفن جرين، فقد تنقل ابن بطوطه في الأمصار في رحلة زادت مدتها على ثلاثة عقود، وعاد ليكتب لنا عن حجارة تسقط من السماء، وعن نساء يعشن بثدي واحد لم يذكر لنا هل هو في الوسط أم على اليمين أم اليسار؟ وعن العفاريت التي تحكم جزر المالديف في المحيط الهندي. ولا نعرف في التاريخ نساء بثدي واحد إلا أولئك اللواتي يصبن بسرطان الثدي، فتستأصل الواحدة منهن الثدي المصاب، وسكان جزر المالديف لا يتذكرون فترة من تاريخهم كانوا خلالها يخضعون لحكم عفاريت.
ومن طريف ما يروى عن آينشتاين، الذي وصف العلماء عقله بأنه في حجم الكون، أنه كان بليدا ولم يتمكن من النطق بجملة مفيدة كاملة إلا بعد بلوغه الرابعة من العمر، كما كان يعاني من مرض التوحد، وبيل جيتس أيضا كان يعاني من مرض التوحد، وبعد الحرب اتهم الأمريكيون شاعرهم الأكبر عزرا باوند بالجنون ووضعوه في مصحة عقلية، ثم أفرج عنه بعد سنوات بسبب ضغوط المثقفين في العالم.
وفولتير الفيلسوف الفرنسي والأديب الشاعر، كان مصابا بالوسواس القهري، فهو لم يكن يستطيع النوم إلا إذا سار في الشارع في ساعة متأخرة من المساء، وعد النوافذ المضاءة، والنوافذ المطفأة، وكان يتفاءل إذا وجد أن عدد النوافذ المضاءة يقبل القسمة على 5، ويشعر بضيق شديد ينغص عليه ليله إذا كان عدد النوافذ المطفأة أكبر بكثير من عدد النوافذ المضاءة.
وقديما كانوا يقولون: «بين العبقرية والجنون خيط رفيع» وهذا الخيط هو الشيء الوحيد الذي يجعل العباقرة ينصرفون إلى إنجازاتهم، لا إلى تقليد كيف تعجن العجوز؟.
No comments:
Post a Comment