من طريف ما يروى عن السلطان العثماني عبد الحميد إنه كان يحتفظ بعدد كبير من العاطلين عن العمل أقام لهم تكية في أحد جوانب قصره أطلق عليها الناس اسم «تكية السلطان» وأطلقوا على الذين بداخلها اسم «تنابلة السلطان».
وتنابلة السلطان كانوا ضيوفاً دائمين على مائدة سلطانهم، يأتيهم رزقهم وهم نيام في التكية، لا يقومون بأي عمل، وكل واحد منهم له موقعه في التكية، وعندما سقطت السلطنة العثمانية في تركيا داهم الناس التكية وأشعلوا النار فيها، فأكلت ألسنة اللهب التنابلة الواحد بعد الآخر لأن أحداً منهم لم يكن يمتلك الهمة للهروب من لظاها .
ويبدو أن العلماء يعدون لنا حياة شبيهة بحياة تنابلة عبد الحميد، نأكل فيها ونشرب وننام، ولا شيء غير ذلك، وشغلنا تقوم به الروبوتات. ويقول العلماء إنه خلال السنوات القليلة المقبلة لن تكون هنالك مدارس بالمعنى المفهوم للكلمة، ولا طلاب يذهبون إليها في الصباح ويعودون في المساء، ولن تكون هنالك جامعات، ولا معاهد، إذ أن ثورة الاتصالات ستحدث تحولاً جذرياً في هذا القطاع من حياتنا، وبدلاً من ذهاب الطالب إلى المدرسة، ستأتي المدرسة إليه، ويستلقي هو على الفراش، ويضغط على زر بسيط يصله بالمدرس الذي ربما يكون هو الآخر مستلقياً على فراشه، ويستمع إلى شرح الدرس كاملاً على شاشة صغيرة، ويستطيع في أي وقت استعادة الشرح بضغطة زر أيضاً، والواجبات تأتيه إلى المنزل عن طريق الكمبيوتر، وجهاز الكمبيوتر هو الذي سيصلح الإجابات، ويضع العلامة، وفي نهاية العام يعطي تقديراً للطالب ويرفعه إلى صف أعلى، أو يرسبه في صفه، وكل المدارس ستتبع هذا الأسلوب في التدريس من دون استثناء .
وخلال السنوات المقبلة سيعود الناس إلى البساطة في كل شيء، فالروبوتات هي التي تقوم بالعمل في المصانع والمعامل، والناس يؤدون واجباتهم الوظيفية في منازلهم .
وفي عام 1991 نشرت مجلة «الايكونوميست» مقالاً بقلم أحد كتاب المستقبليات تحدث فيه عن صورة الحياة في المستقبل وقال: قريباً سنشهد نمواً في أصابعنا، يجعل شكل الأصابع غير متناسق مع اليد لسبب واحد هو أننا نستخدم أصابعنا فقط في الوقت الحاضر، فالكمبيوتر يعمل باستخدام الأصابع، وكذلك الموبايل، وفي مقابل ذلك، ستشهد عضلاتنا ضموراً ملحوظاً بسبب عدم الاستخدام، وبعد آلاف السنين ستنكمش أطرافنا حتى تكاد تتلاشى، وتنبت للإنسان صدفة على ظهره مثل السلحفاة تماماً، ويتحول الإنسان إلى سلحفاة. وتساءل العالم ما إذا كان القرآن الكريم في الآية الكريمة: «ثم رددناه أسفل سافلين» يتحدث عن هذه المرحلة من حياة البشرية التي يتحول فيها الإنسان إلى سلحفاة فوقها صدفة، خصوصاً أن السلحفاة تحتل مركزاً متدنياً على سلم المملكة الحيوانية ويصح فيها القول: «أسفل سافلين» .
وإذا كان هذا هو الثمن الذي سندفعه مقابل الرفاهية الحضارية، فإنه ثمن مرتفع جداً .
No comments:
Post a Comment