البحث في الأساطير القديمة فيه الكثير من المتعة، وربما يؤدي إلى اكتشاف أن الكثير من الأساطير لا تزال تجري على ألسنة الناس وفي حياتهم من دون وعي منهم، رغم التقدم الكبير الذي أحرزته البشرية في القرون الأخيرة، ومثال على ذلك فإن كلمة «بس» التي يستخدمها العامة في بعض الدول العربية لطرد القط إذا اقترب منهم وردت بمعنى اللطف، واللين، والسويق والدقيق، وخلط الدقيق بالسمن والزيت لجعله أشهى مذاقاً، وصنع البسيسة منه، وحيث أن الخلط بالسمن والزيت يجعل الخبز أكثر ميلا للتفتت، فإن من معاني الكلمة «التفتت» وكان العرب يصفون البردة القديمة بالقول: «إنها بردة بس منها»، أي: نيل منها وبليت، والناقة البسوس هي الناقة التي لا تقبل على الحلب إلا بالبسبسة، أي اللطف واللين. وفي بعض المراجع العربية تفيد الكلمة معنى النميمة والأذى، فيقال: «فلان بس عقاربه»، أي: أرسل نميمته وأذاه، ومن هنا ارتباط الكلمة بالأسطورة، إطلاقها على الهر الأليف، فكلمة «بس» بالأصل كلمة فرعونية، وهي اسم لوثن قزم يطلق عليه أيضاً اسم «بست». وتقول الأساطير الفرعونية إن «بس»، أو «بست»، يكره الأرواح الشريرة والأفاعي، ويحمي المنازل منها، ولكنه إلى جانب ذلك جاسوس ونمام، إذ أنه يتنكر على شكل قط ويدخل المنازل ويتجسس عليها لمعرفة أسرارها، ثم ينقل هذه الأسرار إلى الآخرين، ولذلك ينبغي التزام جانب الحذر منه، ومن هنا فإن الناس ينهرونه عندما يقترب منهم بكلمة «بس» أو «بست» وكأنهم يقولون له: «إننا نعرف، أيها القط، إنك «بس» ولذلك، اذهب من هنا، فلا حاجة لنا بك، إذ أننا لا نرحب بالنمامين والجواسيس».
والطير الذي يغني له الناس في مواويلهم وأغانيهم ويشكون له مواجعهم ليس طيرا ولا علاقة له بالطيور، وفي أساطير الفايكنج هو اسم لشيطان يغذي الحروب، ويزيد المآسي التي تجلبها، وفي أساطير الشعوب الأخرى هو شيطان يجلب المآسي والكوارث والمنغصات للناس، وهكذا فعندما يغني الناس للطير، ويشكون الهموم والمآسي التي يعانون منها، سواء من فقدان حبيب، أو تقلب أحوال الدهر، أو ضيق ذات اليد، فإنما يقدمون صحيفة حال» للشيطان طير» ويقولون له: «لقد عانينا ما يكفي، فأبعد شرورك عنا».
كلمات بسيطة تجري على ألسنتنا بينما هي في الواقع أساطير فرعونية وبابلية وآشورية قديمة قاومت الزمن، ولبست رداء جديدا لكل عصر.
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
No comments:
Post a Comment