ثقافة مضادة - صالح الخريبي

أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كان نيكيتا خروتشوف يقول إنه يخشى هوليوود أكثر مما يخشى الصواريخ الأمريكية العابرة للقارات، بل إنه كان يعتبر كل ممثلة أو ممثل ناجح في هوليوود جمهورية كاملة، وعندما استقبل مارلين مونرو قال لها: «لو كنت عندنا يا سيدتي لأعلنتك الجمهورية السادسة عشرة». ويذكر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الذي أشرف على هندسة المراحل الأخيرة من الانهيار السوفييتي أن مدير شركة مترو جولدوين ماير كان يقول له: «إن الهمبورجر والجينز وهوليوود وشركات السجائر هي التي حسمت الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة».

وربما كان مدير شركة مترو جولدوين ماير على حق، فبعد ما يقرب من العقد على انهيار الإمبراطورية السوفييتية اكتشفت الشعوب التي انفصلت عنها وهي تحلم بالثقافة والديمقراطية على الطريقة الأمريكية أنه ليست هنالك ثقافة أو ديمقراطية يمكن استيرادها من أمريكا. ورغم ان هذه الشعوب مازالت تتعثر في مسيرتها نحو الديمقراطية بسبب غياب المنارة الهادية التي كانت تتوقعها من أمريكا، فإن هذه الشعوب لا تتعثر على الإطلاق وهي تحشر نفسها في الجينز وتأكل الهمبورجر والشبس.

وإذا صح ما يقوله ابن خلدون بأن لكل شعب من الشعوب خاصية يتميز بها، فإن الخاصية التي يتميز بها الامريكيون هي التزييف. ورجال الأعمال الكبار الذين حققوا نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة، مثل سوروس المجري الذي وصل إلى الولايات المتحدة وفي جيبه ما يقل عن 100 دولار تحولت بعد سنوات إلى مليارات، وأوناسيس امبراطور ناقلات النفط الذي هبط على الشواطئ الأمريكية وفي جيبه 18 دولارا فقط، هم اولئك الذين اكتشفوا هذه الميزة في مواطنيهم واستغلوها إلى أبعد مدى، وعندما قرر الملياردير الامريكي بارنوم تحويل جزيرة فيجي إلى جزيرة سياحية، لكي تزدهر أعماله الواسعة فيها، لم يجد أمامه إلا التزييف فاصطاد سمكة كبيرة، وقطعها إلى نصفين، ثم وصل نصفها بنصف قرد، فأصبحت كائنا نصفه قرد ونصفه الآخر سمكة، وأطلق عليها اسم «حورية فيجي» وعرضها على الصحافيين، وكانت النتيجة تدفق ملايين الامريكيين إلى فيجي لرؤية ذلك الكائن الغريب الذي تحدثت عنه الصحف، والذي لا وجود له إلا في ذهن المزيف الملياردير.

وفي الماضي كان الرئيس روزفلت يقول: «إن هدف أمريكا هو أمركة العالم». ولكن أمريكا لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا بطرح قيم جديدة تنقذ العالم من أزماته، لا بثقافة الجينز والهمبورجر التي تفرغ ما تبقى من القيم العالمية من محتواها، ففاقد الشيء، كما يقولون، لا يعطيه.. وثقافة أمريكا هي الثقافة المضادة. وفي الماضي، كانت أمريكا تخوض معركة الأمركة بالجينز والهمبورجر وهوليوود، أما الآن فإنها أضافت لأسلحتها سلاحاً جديداً فاعلاً هو: الانترنت.

والانترنت التي تمكنت أمريكا من إدخالها إلى كل بيت في العالم نموذج للثقافة الأمريكية.. إنها الثقافة المضادة

Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ