كان الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد من أكثر أنصار الزعيم المصري سعد باشا زغلول حماسة، وكان صاحب قلم عنيف شديد الوطأة على خصومه، ولم يعرف عنه لجوؤه إلى المحاكم لمقاضاة الذين يهاجمونه، فقد كان يأخذ حقه بقلمه، وفي عام 1930 اشتد الخلاف بينه وبين رئيس الوزراء محمد محمود باشا بسبب تباين في بعض الاجتهادات السياسية، فكتب العقاد سلسلة مقالات لم يكتف فيها بعرض موقفه السياسي وإنما هاجم فيها محمد محمود باشا، وعرّض به شخصياً بشكل وصل إلى مرحلة الشتائم، ثم كتب مقالاً آخر بعنوان «الشقي رقم كذا»، وكأنما محمد محمود باشا من نزلاء السجون الذين يعرفون بأرقامهم. وضاق محمد محمود بهذا الهجوم فقال لابراهيم أباظة: «أيرضيك ما يكتبه العقاد عني؟» فرد ابراهيم أباظة قائلاً: «لا طبعا لا يرضيني، واستطيع أن أرد عليه بما يسكته، ولكن بشرط، هو ألا تمر مقالاتي على محمد حسين هيكل رئيس التحرير لأنه لا يحب المهاترات الشخصية في جريدته (السياسة)، وحتماً سيخفف من حدة المقالات»، فوافق رئيس الوزراء على هذا الشرط، فكتب ابراهيم أباظة مقالاً نارياً هاجم فيه العقاد بعنف ونشره باسم ابنه ثروت الذي كان في الأشهر الأولى من عمره في ذلك الحين، وأصبح من كبار الكتاب في ما بعد، ثم كتب مقالاً ثانياً أفقد العقاد حيلته ودفعه إلى اللجوء إلى المحاكم ورفع دعوى ضد محمد حسين هيكل المسؤول عن التحرير في جريدة «السياسة»، وثروت أباظة الذي نشرت المقالات باسمه، وضحك الدكتور هيكل من فكرة تقديم طفل صغير إلى المحكمة، وقال لابراهيم أباظة مازحاً: «عليك أن تحمل ابنك على كتفك وتأتي به إلى المحكمة، فقد رفع العقاد دعوى ضده».
وتنازل العقاد عن الدعوى عندما عرف أن خصمه فيها طفل دون السنة الأولى من العمر، ولم يلجأ إلى المحاكم بعد هذه الحادثة أبداً، ولكنه ظل يهاجم الذين يكتبون بأسماء مستعارة طوال حياته.
الطريف أن صداقة قوية نشأت بين العقاد وابراهيم أباظة بعد هذه الحادثة، وعندما توفي رثاه العقاد بقصيدة من عيون الشعر العربي، وعندما تباينت وجهات النظر بين العقاد وقيادة الثورة المصرية عام 1954 عرض عليه ثروت أباظة أن يكتب باسم مستعار، إذا كان لا بد من الكتابة، فرفض العقاد بإباء، وظل حتى آخر حياته يوقع مقالاته باسمه الصريح، بما في ذلك المقالات التي تتعارض مع فكر الثورة، وعندما مات عام 1964 وصفته الصحف المصرية الرسمية بأنه «أشجع مخالف».
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
Monday, November 14, 2011
أشجع مخالف - صالح الخريبي
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment