«طنطورة فرعون» هو الاسم الذي يطلقه العرب على موقع أثري يقع إلى الشمال الشرقي لمدينة القدس، ليس لأن القبة التي تنتصب فوقه تشبه القبعات التي كان يعتمرها الفراعنة في مصر فقط، وإنما مماحكة باليهود، لأن الاسم يذكرهم بطردهم من مصر، وبالحاكم الذي كان يسومهم سوء العذاب ويستبيح نساءهم.
واليهود يطلقون على «طنطورة فرعون» اسم «يد أبيشالوم» ويعتبرونها منذ القرن الثاني عشر من أقدس 20 موقعا أثريا في فلسطين، ويقولون: إن أبيشالوم ابن النبي داود عليه السلام أقامها نصبا لنفسه. وتقول التوراة: إن أبيشالوم كان متمردا على والده، ولذلك اتخذ اليهود، من النصب الذي أقامه رمزا للعن الأبناء المتمردين على آبائهم، فكانوا يأتون إليه من كل الأرجاء ليرجموه. وقبل مدة حصل الباحث اليهودي نحمان أبيجاد على درجة الدكتوراه بأطروحة أعدها عن المكان أثبت فيها أنه من الأماكن المقدسة لدى اليهود.
ولكن أرض فلسطين «بتتكلم عربي»، وهي ترفض تزويد اليهود بأي إثبات أركيولوجي يشير إلى وجود حقيقي لهم في فلسطين، فالأبحاث الأركيولوجية التي جرت منذ ما يقرب من قرنين من الزمن، والتي وصلت ذروتها بعد سقوط فلسطين بأيدي اليهود، أثبتت عدم صحة روايات تعتبر أساسية في التوراة تتحدث عن الغزو، إلى درجة أن عالما كبيرا مثل جورج مندهل أعلن: «إن الفصل القديم من التوراة ليس سوى أسطورة وهمية بعيدة عن الواقع التاريخي الذي ترسمه الحفريات».
وكان البروفيسور زيف هيرتسوج، المختص في الحفريات الآثارية في منطقة بئر السبع قد سخر من غلاة المستوطنين الذين «اكتشفوا» أن المذبح المقام فوق جبل عيبال قرب نابلس هو المذبح الذي أقامه سيدنا ابراهيم الخليل لذبح ابنه (إسحق.. كما تزعم التوراة) وقال: «إن ما يسمى المذبح اكتشفته مجموعة من المستوطنين اليهود الذين يستخدمون «الأيديولوجيا» لا «الأركيولوجيا» في عملهم، وهم يريدون السيطرة على الجبل المطل على نابلس أكثر مما يريدون إحياء ذكرى ابراهيم وإسحق، ولذلك قاموا بجمع الحجارة على شكل كبش ماعز، رمزا للكبش الذي جلبه الملاك لافتداء الطفل، وأعادوا بناء المذبح ليصبح ملائما لما جاء في التوراة، وقد فعلوا ذلك كله من دون الحصول على إثبات أركيولوجي يؤكد مزاعمهم».
وجاءت «طنطورة فرعون» لتكشف فصلا جديدا للأكاذيب والتزييفات «الإسرائيلية»، فقد اكتشف البروفيسور جدعون بروستر أن هذه الطنطورة لا علاقة لها بداود ولا بابنه أبيشالوم، ولا حتى باليهود، وإنما هي أثر يقدسه المسيحيون منذ القرن الرابع الميلادي. ويقول البروفيسور إنه توصل إلى اكتشافه بالصدفة، فقد كان يتفرس في صورة التقطها راهب مسيحي في المكان، فاكتشف من الصورة أن هنالك كتابة يونانية على الأثر، فدخل إليه، ووجد أن «يد إنسان ما» أو ربما عوامل الزمن أدت إلى مسح الكتابة، ولكنها لا تزال محفورة إلى حد ما في الحجر وبالإمكان قراءتها بجهد، وتبين أن الكتابة تقول: «هذا ضريح القديس زكريا، الكاهن المؤمن، والد يوحنا» وزكريا هو الذي كفل مريم العذراء، وهو والد النبي يحيى عليه السلام، ومن التحليل الأركيولوجي للكتابة تبين أنها نقشت في القرن الرابع بعد الميلاد، أي بعد 200 سنة من إقامة الضريح.
وفي الآونة الأخيرة، شن المتدينون اليهود حملة شعواء على علماء الآثار الذين يشككون بالروايات التوراتية، واتهموهم بالتزييف، وبإنكار التوراة، على وزن إنكار الهولوكوست، واستغل هؤلاء اعتقال أحد تجار الآثار بتهمة التزييف، وحاولوا الربط بينه وبين كشوفات العلماء التي تشكك بالروايات التوراتية، ولكن الكشوفات العلمية تظل دائما أقوى من أية ادعاءات وأساطير وهمية.
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
No comments:
Post a Comment