عصر الانحطاط - صالح الخريبي

ياسونوري كاواباتا الروائي الياباني الحائز على جائزة نوبل هو الذي قال إن الملابس هي وجهنا الآخر. أكثر من ذلك، إنها الوجه الآخر لحضارتنا، فأنت لست بحاجة لأن تنظر في بطاقة هوية فتاة ترتدي الكيمونو لكي تعرف أنها يابانية، أو فتاة ترتدي الساري لكي تعرف أنها هندية، وإذا كانت العباءة بدأت تغيب من شوارع بعض المدن الخليجية فإنها عندنا في الإمارات لا تزال والحمد لله بخير.

ولكن أكثر ما يثير دهشتي هو تلك الملابس الممزقة التي يرتديها بعض الشباب في الشوارع، في المدن الغربية والشرقية على حد سواء، وكثيرا ما تساءلت: ما هي دلالة هذه الملابس؟ وهل هي إشارة إلى التطور؟ وما معنى أن ترتدي فتاة بنطلون كاوبوي أطرافة مشرشبة، ونصفه كالح، ونصفه الآخر ملون، ثم تمزقه في اكثر من مكان لكي يبدو قديما، وكأن الشرشبة عند طرف رجليه غير كافية، ثم تنزل إلى سرداب منزلها وتختار قميصا كان يلبسه جدها، وتختاره مترهلا عن عمد، وتلف جسمها به، وتلتقط حذاء باليا قذرا وتحشره في رجلها، ثم تنزل إلى الشارع؟ ماذا يعني كل هذا؟ هل هو حضارة؟ هل هو تطور؟ هل هو «مجاراة لروح العصر»؟ إذا كان الأمر كذلك فإن عصرنا، على ما يبدو، ممزق، وقد ظهر تمزقه على ملابس الشباب، والقيم التي تحرك هذا العصر جرباء، فأصبحت أزياء الشباب جرباء.

روجيه جارودي، المفكر الفرنسي، يطلق على هذا العصر لقب «عصر الانحطاط» رغم التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل الذي تحقق فيه، لأن التقدم العلمي والتكنولوجي لا يصنع حضارة إذا لم يرافقه تقدم في كل العلوم والآداب والفلسفات والفنون، وجارودي يقول في كتاب صدر له قبل مدة: «إن أمريكا هي طليعة عصر الانحطاط الذي نعيشه، رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي المذهل». ولذلك فإن الملابس الجرباء الممزقة، والقيم الممزقة، خرجت منها، بحيث صار الزعيق القبيح طربا، والخرف فنا. أهبل يقف على المسرح، ويجعر بكلمات لا معنى لها، فتنتاب الشباب نوبات هستيرية، وخلال فترة بسيطة يصبح هذا الأهبل علما على عصره. ومأفون يطلو جسمه بألوان مختلفة، ويتقلب على قطعة من القماش ويلوثها بالألوان من جسمه، أو يمسك فرشاة ويضرب بها على الشاشة كيفما اتفق، فيبصم له الناس بأنه فنان أتى بما لم تستطعه الأوائل

إنه زمان سقطت فيه القيم، وهان الرفيع من الشيم، وساد الدنيء من المثل، إنه عصر الانحطاط الذي تقزم فيه كل شيء، حتى كرامات البشر.

Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ