تابلويد غريب - صالح الخريبي

في فيلم «تابلويد أمريكي» يكشف الروائي جيمس الروي التنافس الكبير بين «التجمعات الأمريكية المختلفة» بشكل نشعر معه أن أمريكا تعيش حالة «حرب باردة» بينها وبين نفسها، تتحول في بعض الأحيان إلى ساخنة. ويأخذ الروي فترة حكم جون كنيدي كمثال، ويكشف على الصعيد الحكومي التنافس الكبير بين الإدارات الأمريكية المختلفة، مثل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وبين البنتاجون والخارجية، وبين الخارجية والبيت الأبيض، وعلى الصعيد الاجتماعي يكشف الصراع بين النقابات والحكومة، والجماعات العرقية المختلفة، وكتل الضغط، مثل اللوبي «الإسرائيلي»، والمافيات، وفرق الوطنيين، والصحافة التي تعيش وهم أنها حرة، ويقول إلروي: «إن كل مجموعة من هذه المجموعات تعمل لنفسها، وضد الآخرين، ولا تعمل لأمريكا، وإذا شعرت إحداها أن شخصا أو زعيما يقف في وجه مشاريعها، فإنها تلجأ على الفور إلى القضاء عليه سياسيا بفضيحة تلقيه في الظل، أو إلى تصفيته جسديا، فنظام المافيا هو النظام الوحيد المعمول به على كل المستويات في الولايات المتحدة، والبقاء للأقوى، وكل مسؤول أمريكي، ابتداء من الرئيس في البيت الأبيض، إلى أصغر موظف في أية دائرة حكومية، هو عضو في هذه المافيا أو تلك، وقد ترقى اجتماعيا ووصل إلى السلطة».

وفي القصة يقدم لنا الروي جريمة اغتيال الرئيس جون كنيدي وشقيقه روبرت، وجريمة اغتيال الزعيم النقابي المافياوي جيم هوفا، ووفاة مارلين مونرو، وعملية خليج الخنازير، والتدخل في فييتنام، في حبكة درامية مترابطة ورائعة، وإذا كانت التفاصيل الصغيرة في الرواية والفيلم ليست واقعية تماما، باعتبار أن خيال المؤلف تدخل فيها، فإن المضمون الاجتماعي للفيلم مذهل في واقعيته، فالديمقراطية الأمريكية غير المسؤولة حولت أمريكا إلى حانة كبيرة تعج بالفتوات، وكل واحد منهم يحمل شومة كبيرة يريد أن يضرب بها الآخر.

ولا أحد ينكر الطابع التقدمي للشعارات التي تطرحها أمريكا، والشعارات التي تطرحها المجموعات المتباينة فيها، ولكن الشعارات شيء والتطبيق شيء آخر، فأمريكا التي أرادها الرئيس توماس جيفرسون «أمة ديمقراطية متميزة عن أوروبا الغارقة دوما في الحروب» أصبحت أكثر دول العالم إنكارا للديمقراطية وإثارة للحروب، وقد بدأت هذا الاتجاه مع الهنود الحمر، ثم مع نفسها (الحرب الأهلية) ثم مع «مهاجريها القسريين» من العبيد والملونين، ثم بين المجموعات العرقية والإثنية والسياسية المتناحرة فيها، وها هي الآن تمارس مع العالم بأسره ما أخذه جيفرسون على الفرنسيين في عهد نابليون بونابرت من أن نابليون «يحاول أن يفرض مفهومه للحرية على جيرانه»

والرئيس الأمريكي لا يستطيع أن يمارس الحكم إذا لم يدس رأسه تحت مظلة من هذه المظلات الكثيرة في أمريكا لحماية ظهره، فجيفرسون تحالف مع مستوطني الداخل ضد بورجوازية الساحل الشرقي، ومعظم الرؤساء الأمريكيين الحاليين يتحالفون مع اللوبي «الإسرائيلي» ولوبي صناعة الأسلحة، أما الذين يتحالفون مع أمريكا فإنهم غير موجودين في رأي مخرج ومنتج الفيلم، وفي رأي العالم بأسره أيضا.

Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ